تحليلات اقتصادية

الأمن الدوائي في اليمن: صناعة ناشئة تبحث عن سيادة صحية واقتصادية

الأمن الدوائي في اليمن: صناعة ناشئة تبحث عن سيادة صحية واقتصادية

الاثنين 3 نوفمبر 2025-

تمثل صناعة الدواء أحد الأعمدة الاستراتيجية للاقتصاد الوطني، نظرًا لارتباطها المباشر بالأمن الصحي والسيادي للمواطن في اليمن، ورغم البدايات المبكرة لهذه الصناعة، إلا أنها لا تزال تواجه تحديات بنيوية وسياسية كبيرة تعيق تطورها، في وقت تتزايد فيه الحاجة إلى توطين الإنتاج وتقليل الاعتماد على الاستيراد، خاصة في ظل توجه الحكومة في صنعاء على توطين صناعة العديد من الأصناف الدوائية.

 هذا التقرير يدمج بين الرؤية التحليلية لواقع الصناعة والمضامين الرسمية التي طُرحت في اجتماع الهيئة العامة للاستثمار الأخير بصنعاء.

أولًا: النشأة والتطور التاريخي

بدأت صناعة الدواء في اليمن عام 1964 بتأسيس الشركة اليمنية لصناعة وتجارة الأدوية (يدكو)، كأول مبادرة وطنية لتوفير الأدوية الأساسية.

توسعت الصناعة نسبيًا في الثمانينات، مع إنشاء مصنع جديد عام 1984 كمشروع مشترك بين القطاعين العام والخاص.

حتى عام 2014، بلغ عدد الأصناف الدوائية المتداولة نحو 1910 صنفًا، تشمل أدوية للأمراض المزمنة مثل السكري والضغط والقلب.

ثانيًا: واقع الصناعة حاليًا

تعتمد الصناعة المحلية على رؤوس أموال خاصة بنسبة تفوق 98%، في ظل غياب الدعم المؤسسي المنتظم.

لا تزال الصناعة في مرحلة ناشئة، وتفتقر إلى البنية التحتية المتكاملة، سواء في التصنيع أو في الرقابة الدوائية.

ثالثًا: التحديات البنيوية

البيئة السياسية والأمنية: النزاع المستمر والحصار يؤثران على استيراد المواد الخام واستمرارية الإنتاج.

ضعف البنية التحتية الصناعية: من حيث المعدات، المختبرات، وسلاسل التوريد، مما يحد من جودة المنتج المحلي.

غياب الحوافز الحكومية: رغم وجود قانون استثمار جديد، إلا أن تطبيقه العملي لا يزال محدودًا.

محدودية البحث العلمي : لا توجد مراكز بحثية متخصصة في تطوير التركيبات الدوائية أو تحسين كفاءة التصنيع.

رابعًا: الحراك الرسمي والاستثماري

في الاجتماع الذي ترأسه رئيس الهيئة العامة للاستثمار، محمد بن إسحاق، تم التأكيد على:

أهمية الصناعات الدوائية في دعم الاقتصاد الوطني وتحقيق الأمن الدوائي.

ضرورة الاستفادة من قانون الاستثمار الجديد لتعزيز بيئة الاستثمار وتوسيع قاعدة الإنتاج المحلي.

استعداد الهيئة لتقديم الدعم والتسهيلات اللازمة للمستثمرين، وتذليل الصعوبات بالتنسيق مع الجهات المعنية.

إشادة اتحاد الغرف التجارية بدور الهيئة في إسناد المشاريع الصناعية، والدعوة إلى شراكة عملية بين القطاعين العام والخاص.

خامسًا: الفرص المتاحة

توطين الصناعة: يمكن أن يشكل توطين صناعة الدواء ركيزة لتعزيز الأمن الصحي الوطني، خاصة في ظل تقلبات الاستيراد.

الاندماج الإقليمي: إعادة تفعيل الشراكات مع دول الخليج قد يفتح آفاقًا لتصدير المنتجات اليمنية أو تصنيع مشترك.

الوعي المجتمعي: دعم المواطنين للمنتج المحلي يمكن أن يشكل قوة ضغط لتحسين الجودة وتوسيع الإنتاج.

قانون الاستثمار الجديد: يوفر حوافز وضمانات تشجع المستثمرين على إقامة مشاريع صناعية حقيقية.

سادسًا: توصيات السياسات

إطلاق استراتيجية وطنية لتوطين صناعة الدواء تشمل دعم مالي، تشريعي، ولوجستي.

إنشاء هيئة مستقلة للرقابة الدوائية لضمان جودة المنتجات وتشجيع الابتكار.

تحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي عبر تقديم حوافز ضريبية وتسهيلات في التراخيص.

دمج القطاع الأكاديمي بالصناعة عبر دعم البحث العلمي في الجامعات اليمنية وربطه بالمصانع.

تفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص لضمان استدامة المشاريع وتوسيع قاعدة الإنتاج.

خاتمة

صناعة الدواء في اليمن تقف عند مفترق طرق: إما أن تُحتضن كقطاع استراتيجي وتُطوّر لتلبية الاحتياجات الوطنية، أو أن تبقى رهينة الاستيراد والتقلبات السياسية. الاستثمار في هذا القطاع ليس خيارًا اقتصاديًا فحسب، بل ضرورة وطنية لضمان الأمن الصحي والاستقلالية السيادية، وهو ما يتطلب إرادة سياسية، شراكة مؤسسية، ووعي مجتمعي متكامل.

اقرأ أيضا:أزمة سكر مفاجئة في صنعاء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى