هل يتفوق المعدن الصيني على الدولار الأمريكي؟

هل يتفوق المعدن الصيني على الدولار الأمريكي؟
الثلاثاء 14 أكتوبر 2025-
تشهد العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين تصعيدًا متسارعًا، مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عزمه فرض رسوم جمركية بنسبة 100% على جميع الواردات الصينية اعتبارًا من الأول من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، في خطوة اعتبرها مراقبون تصعيدًا غير مسبوق منذ عقد.
وردت الصين بإجراءات مضادة شملت تشديد القيود على تصدير المعادن النادرة، بما في ذلك المواد التي تحتوي على “آثار ضئيلة” منها، في تحول وصفته وكالة بلومبيرغ بأنه “استراتيجي” ويعكس استعداد بكين لاستخدام أدوات الضغط التجاري ذاتها التي تعتمدها واشنطن.
ويأتي هذا التصعيد بعد سلسلة قرارات أميركية لتقييد تصدير الرقائق والبرمجيات المتقدمة إلى الصين، قابلتها بكين بمنع الشركات الأجنبية من شحن منتجات تحتوي على عناصر أرضية نادرة مصدرها الصين دون ترخيص مسبق.
ورغم التوترات، أظهرت بيانات بلومبيرغ إيكونوميكس أن الصادرات الصينية سجلت في سبتمبر/أيلول ارتفاعًا بنسبة 8.3% مقارنة بالعام الماضي، لتصل إلى 328.6 مليار دولار، وهي أعلى قيمة شهرية منذ مطلع 2025. ويُعزى هذا الأداء إلى تنويع الأسواق، حيث تراجعت الصادرات إلى الولايات المتحدة بنسبة 27%، بينما ارتفعت إلى أفريقيا بنسبة 56%، وأميركا اللاتينية بنسبة 15%، والاتحاد الأوروبي بنسبة 14%، وفيتنام بنسبة 25%.
ويشير محللون إلى أن هذا التحول يعكس إعادة هيكلة في سلاسل التوريد الصينية، تهدف إلى تقليص الاعتماد على السوق الأميركية، وتعزيز النفوذ التجاري عبر شبكة توزيع متعددة.
في المقابل، تواجه واشنطن تحديات داخلية مع اقتراب موسم التسوق، وسط تحذيرات من اضطراب الإمدادات واحتمال فراغ رفوف المتاجر خلال عطلة عيد الميلاد. كما يُتوقع أن يؤدي توقف الصين عن شراء فول الصويا الأميركي إلى خسائر في الولايات الزراعية، ما قد يؤثر على القاعدة الانتخابية للرئيس ترامب.
وتبرز المعادن النادرة كورقة ضغط مركزية في هذا الصراع، إذ تسيطر الصين على نحو 70% من الإنتاج العالمي، وتُستخدم في صناعات حيوية تشمل الرقائق الدقيقة والمغناطيسات والسيارات الكهربائية والأنظمة العسكرية. وترى بلومبيرغ أن بكين تسعى لتحويل هذه الموارد إلى أداة نفوذ تعادل قوة الدولار الأميركي في السياسة الاقتصادية.
ورغم التصعيد، نقلت بلومبيرغ عن مصادر في وزارة الخزانة الأميركية أن هناك انفتاحًا على اتفاق تجاري محتمل قبل انتهاء الهدنة الجمركية في 10 نوفمبر/تشرين الثاني، مع احتمال عقد جولة مفاوضات جديدة في فرانكفورت.
وتخلص بلومبيرغ إلى أن العالم يشهد أكبر اختبار لتوازن القوى الاقتصادية منذ الثمانينيات، حيث تتجه التجارة العالمية نحو نظام مزدوج الأقطاب، ولم يعد التفوق الأميركي في الاقتصاد العالمي أمرًا محسومًا.
ويرى اقتصاديون ان إعلان ترامب فرض رسوم جمركية شاملة يُعد محاولة لتكريس الهيمنة الأميركية على النظام التجاري العالمي، ولعرقلة صعود الصين كقوة اقتصادية مستقلة، خاصة ان بكين بدأت بالفعل في الصعود الكبير لتكون قوة اقتصادية غير عادية، كما أن هذه الإجراءات لا تستند إلى منطق تجاري بحت، بل إلى دوافع سياسية تهدف إلى احتواء النمو الصيني.
بكين فسرت الرسوم الأميركية على أنها استهداف ممنهج لسلاسل الإنتاج الصينية، خاصة في القطاعات التكنولوجية المتقدمة. وتعتبر بكين أن واشنطن تسعى لحرمانها من الوصول إلى الأسواق العالمية، وإبطاء تطورها الصناعي.
لهذا ترى الصين أن الرسوم الأميركية تمثل محاولة لفرض إرادة سياسية على الاقتصاد العالمي، وأن الرد الصيني ليس تصعيدًا بل دفاعًا عن السيادة الاقتصادية. في هذا السياق، تسعى بكين إلى بناء نظام تجاري أكثر توازنًا، قائم على التعددية، لا على الإملاءات الأحادية.
وجاء تصاعد التوتر التجاري بين الصين والولايات المتحدة بعد اعلان ترامب الأخير بعد العرض العسكري الصيني الذي جرى في الثالث من سبتمبر الماضي 2025، بمناسبة الذكرى الثمانين لانتصار الصين في الحرب العالمية الثانية ونهاية الاحتلال الياباني، والذي كان سالة رمزية تؤكد جاهزية بكين للدفاع عن مصالحها الوطنية.
كما أن توقيت العرض، الذي تزامن مع إعلان واشنطن فرض رسوم جمركية بنسبة 100% على الواردات الصينية، يعكس رغبة القيادة الصينية في إظهار القوة الشاملة—اقتصاديًا وعسكريًا—في مواجهة الضغوط الأميركية. ويُنظر إلى هذا الاستعراض كجزء من استراتيجية الردع، وإثبات الاستقلال الاستراتيجي، في وقت تسعى فيه الصين لإعادة تشكيل قواعد النظام التجاري العالمي.
اقرأ أيضا: التأثيرات الاقتصادية العالمية جراء الحرب الإسرائيلية الإيرانية