مصادر الطاقة في اليمن رهينة الصراع
السبت 6 ديسمبر 2025-
لم يعد المشهد الاقتصادي في اليمن قابلاً للفصل بين جغرافيا الإنتاج وجغرافيا العبور؛ فمأرب، حضرموت، والمهرة تشكّل اليوم مثلث الطاقة الذي يعيد رسم خريطة الاقتصاد السياسي للحرب والسلم في البلاد.
مأرب: قلب الإنتاج والغاز
مأرب، بحقوله في صافر، هي مركز الثقل في إنتاج النفط والغاز اليمني. السيطرة على هذه الحقول تعني امتلاك مصدر رئيسي للإيرادات المحلية، وتغذية محطات الكهرباء، وضبط أسعار الغاز المنزلي. أي تبدّل في النفوذ هناك ينعكس فوراً على السوق الداخلية، على قدرة الحكومة المعترف بها دولياً في تمويل إنفاقها، وعلى توزيع الإيرادات بين سلطات الأمر الواقع.
حضرموت: بوابة التصدير والعملة الصعبة
حضرموت، بحقول المسيلة وميناء الضبة النفطي، تمثل الشريان الخارجي للاقتصاد اليمني. تعطيل التصدير أو فرض رسوم إضافية هناك يضرب مباشرة ميزان المدفوعات ويضغط على العملة المحلية. الأحداث الأخيرة أظهرت أن السيطرة على الضبة ليست مجرد شأن محلي، بل ورقة تفاوض إقليمية ودولية، حيث أي اضطراب في التصدير ينعكس على قدرة اليمن في الحصول على العملة الصعبة، ويزيد من هشاشة النظام المالي.
المهرة: عقدة الممرات والحدود
المهرة، وإن لم تكن منتجاً رئيسياً للطاقة، إلا أنها عقدة لوجستية وحدودية. السيطرة على منافذها البرية والبحرية تعني التحكم في تدفق السلع والوقود المستورد، وبالتالي التأثير المباشر على الأسعار في الداخل. الرسوم غير الرسمية ونقاط التفتيش هناك تشبه ما يحدث في طرق مأرب، وتضيف طبقة جديدة من اقتصاد الحرب القائم على الجبايات والعبور.
لذا أي اضطراب في أحد هذه الأضلاع الثلاثة ينعكس على الآخر: توقف التصدير في حضرموت يضغط على العملة، اضطراب الإمداد في مأرب يرفع الأسعار، ورسوم العبور في المهرة تزيد كلفة النقل. النتيجة واحدة: تضخم متسارع، تشظي الإيرادات، وتعميق اقتصاد الحرب.
السيناريوهات المحتملة
سيطرة انتقالية جزئية: اضطراب في الإنتاج والإمداد، تضخم متسارع، واتساع فجوة أسعار الصرف.
صفقة تشغيل مشتركة بوساطة إقليمية: استقرار نسبي مع بقاء فروقات سعرية قابلة للإدارة، لكن الاتفاق هش.
تصعيد عسكري وفشل السيطرة: صدمة إمداد شديدة، ارتفاع حاد في الأسعار، وانكماش اقتصادي محلي.
لهذا يرى مراقبون أن السيطرة على مأرب وصافر، حضرموت، والمهرة ليست مجرد أحداث متفرقة؛ بل شبكة واحدة تعيد تشكيل الاقتصاد السياسي للطاقة في اليمن. المخاطر الكبرى تكمن في تعطيل سلاسل الإمداد، انفلات الأسعار، وتشظي الإيرادات بعيداً عن الإطار الرسمي.
فالمسار الأقل كلفة اقتصادياً يمر عبر ترتيبات تشغيل محايدة بضمانات إقليمية، عقود تقاسم شفافة، وضبط أسعار مرن مع دعم موجّه للفئات الهشة. أما القطاع الخاص، فعليه التحوّط لاضطراب طويل الأجل عبر مسارات بديلة، تعاقدات مرنة، وتأمين موسع.
دون هذه التدابير، سيظل اليمن رهينة مثلث الطاقة المضطرب، حيث كل خلل في مأرب أو حضرموت أو المهرة يتحول إلى صدمة توريد ممتدة تُنتج تضخماً متوالياً وتعمّق الانكماش الحقيقي في دخل الأسر والأعمال.
اقرأ أيضا:الذهب بين صنعاء وعدن… انقسام السوق اليمني في ظل موجة عالمية متقلبة
