في الـ 30 من نوفمبر .. السيادة لا تكتمل بلا وحدة نقدية وإيراديه
- عبدالرحمن مطهر
الاحد30 نوفمبر 2025-
اليوم خرج الملايين من أبناء الشعب اليمني إلى مختلف الساحات والميادين العامة في عدد من محافظات الجمهورية، وذلك بمناسبة الـ 30 من نوفمبر 1967 وخروج آخر جندي بريطاني من عدن الحبيبة.
وكان ذلك إعلاناً مدوياً بأن اليمن قادر على انتزاع سيادته مهما طال زمن الاحتلال، في الـ 30 من نوفمبر المجيد لم يكن مجرد انسحاب عسكري، بل ميلاد وعي جمعي بأن الحرية لا تُمنح وإنما تُنتزع بقوة السلاح وهذا ما تم فعلا، وأن الاستقلال لا يكتمل إلا حين يصبح الشعب سيد قراره السياسي والاقتصادي ، واليوم، بعد ثمانية وخمسين عاماً من استقلال جنوب الوطن، يقف اليمن أمام امتحان جديد، إذ تتجدد ذكرى الاستقلال في ظل واقع اقتصادي منقسم بين شمال وجنوب، وفي ظل سيطرة دول إقليمية على أجزاء غالية من وطننا الحبيب، وفي ظل مؤسسات نقدية مزدوجة، وعملة فقدت قيمتها وفقدت وحدتها، وإيرادات مشتتة بين سلطات متنازعة، ومنافذ بحرية رهينة التوترات الإقليمية، مما أثر على المواطن اليمني وعلى معيشته.
إن الاستقلال الذي يتمنى ان يحتفل به اليوم كل مواطن، لا يمكن أن يظل مجرد طقس رمزي أو خطاب عاطفي، بل يجب أن يتحول إلى مشروع سياسي جامع، فاليمن يتسع للجميع، ورفض الوصاية والتدخلات الخارجية، هذا المشروع ينبثق عنه مشروع اقتصادي عملاق يعيد لليمن استقراره ويحقق للمواطن العيش بحرية وعزة وكرامة، وهذا لن يتحقق إلا من خلال إطلاق مشروع وطني شامل يقبل الجميع ويقبل الشراكة مع الجميع ويرفض الوصاية الخارجية.
مشروع يوحد الاقتصاد الوطني ويعيد للعملة الوطنية قيميتها، فغياب وحدة العملة يعطل التجارة الداخلية ويضاعف كلفة المعيشة، وانقسام المالية العامة يحرم الدولة من قاعدة إيراديه موحدة، واضطراب الممرات البحرية يرفع فاتورة الغذاء والدواء ويجعل حياة المواطنين رهينة أسعار النقل والتأمين، فالمواطن اليمني الذي ضحى بالأمس من أجل طرد الاستعمار يجد نفسه اليوم أسيراً لتضخم متسارع، وانهيار القدرة الشرائية، وتراجع الخدمات الأساسية، وكأن الاحتلال عاد في صورة حصار اقتصادي وانقسام مؤسسي.
إن ذكرى الاستقلال يجب أن تكون لحظة مواجهة مع الذات قبل أن تكون مواجهة مع الخارج. فصانع القرار اليمني مطالب اليوم بأن يدرك أن السيادة لا تُقاس بالشعارات ولا بالاحتفالات، بل بقدرة الدولة على إدارة نقدها ومواردها ومنافذها. الاستقلال الحقيقي يبدأ من مكتب المقاصة ومنفذ الميناء وغرفة التحكم في الكهرباء، قبل أن يبدأ من المنصة الخطابية. إذا أردنا استقلالاً ثانياً، فلا بد من مشروع وطني يوحّد العملة، ويعيد انتظام الإيرادات، ويعيد انتظام صرف مرتبات الموظفين، ويقضي على الفقر، ويؤمن الممرات البحرية، ويستعيد القدرة على توفير الخدمات الأساسية.
إن اليمن الذي كان مقبرة للغزاة بالأمس يجب أن يكون اليوم مقبرة لكل وصاية خارجية سواء كانت سياسية أو اقتصادية، شمالاً أو جنوباً، وذكر نوفمبر لا يجب ان تكون مجرد نصوص مكررة لاستعادة ماضٍ مجيد، بل تجديد لثورة مستمرة على الفقر والجهل والتخلف، ثورة مستمرة لتغيير واقع قاتم، ثورة مستمرة لإعادة بناء مؤسسات الدولة لتكون فعلا قادرة على حماية المواطن من الانقسام والفوضى.
ذكرى الـ 30 من نوفمبر امتحان متجدد لإرادة اليمنيين، هل يستطيعون تحويل ذاكرة التحرر إلى سيادة اقتصادية ملموسة؟ لخدمة المواطن، فالثورات في الأساس هي من اجل المواطن وحريته ومعيشته، وليست في الخطابات والشعارات.
اقرأ أيضا: سياسات اقتصادية تحرم خزينة الدولة مليارات وتثقل كاهل المواطن
