اليمن بين تضخم الجنوب وانكماش الشمال… والقدرة الشرائية المتآكلة
الأربعاء 19 نوفمبر 2025-
القت سنوات الحرب ضلالها على معيشة المواطن اليمني في مختلف محافظات الجمهورية ، فبسبب الحرب التي شهدها اليمن منذ العام 2015 ولا يزال، يعيش الشعب اليمني اليوم وضعا اقتصاديا غير مسبوق؛ بلد واحد، لكن ببطاقتين وجوازي سفر وعملتين واقتصادين متوازيين، كل منهما ينهك مواطنيه بطريقته الخاصة. في الشمال، حيث تُفرض الإصدارات القديمة من العملة، يواجه الناس تضخمًا هيكليًا مع انعدام صرف رواتب الموظفين الحكوميين، بينما في الجنوب، حيث تُدار السياسة النقدية من عدن، ينهار سعر الصرف أمام العملات الأجنبية رغم التحسن الضئيل خلال الأشهر القليلة الماضية، لتقفز أسعار الغذاء والوقود بشكل جنوني.
في صنعاء، التضخم ليس نتيجة انهيار العملة بقدر ما هو انعكاس لقيود العرض ورسوم العبور بين المحافظات والحصار الذي يفرضه التحالف العربي والولايات المتحدة الامريكية، فالمواطن هناك يدفع ثمن كل خطوة في سلسلة الإمداد، لتتضاعف أسعار السلع الأساسية. أما في عدن، فالمشهد مختلف وهو أكثر قسوة، خاصة مع انهيار الريال الجديد، وعدم استطاعة الحكومة الموالية للتحالف العربي من السيطرة على الفساد في مختلف مفاصل مؤسسات الدولة ، وصرف مئات الملايين من الدولارات على المطبلين لإنجازاتها المتواجدين خارج اليمن ، كل ذلك جعل سلة الغذاء ترتفع بأكثر من 25% هذا العام، فيما الرواتب الحكومية تتأخر أو تُصرف جزئيًا عند وصول دعم خارجي متقطع كما هو هذه الأيام مع وصول حوالي 90 مليون دولار من الوديعة السعودية الأخيرة التي لم تكفِ سوى لتسكين الأزمة مؤقتًا، مع تردي الخدمات بشكل مستمر خاصة الانقطاع المتواصل للكهرباء.
فمنذ عام 2015، تراجع نصيب الفرد الحقيقي من الناتج المحلي بنحو 58%، وهو رقم صادم يكشف حجم التدهور الاجتماعي والاقتصادي. ومع توقف صادرات النفط، فقد الجنوب مصدره الأساسي للعملة الصعبة، لتزداد هشاشة ميزان المدفوعات، بينما يواصل الشمال الاعتماد على الإيرادات الداخلية التي تثقل كاهل السوق والمستهلك.
المشهد الكلي قاتم: الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي يتجه نحو انكماش إضافي يقدّر بنحو 1.5% في 2025، فيما تتآكل القدرة الشرائية يومًا بعد يوم. التجارة واللوجستيات تواجه تحديات مزدوجة؛ تكاليف الشحن والتأمين عبر البحر الأحمر وباب المندب، ورسوم العبور الداخلية التي تضاعف الأسعار قبل أن تصل إلى المستهلك.
كل ذلك يحتم على أطراف الصراع العمل لإيجاد حل غير ان هذا الحلم في نظر الكثير من المواطنين لا يزال حلم بعيد المنال.
اقرأ أيضا:من 3000 إلى 1620: تحسن نسبي لأسعار صرف الدولار في عدن لا يخفي الانهيار النقدي
