النحاس يقود ثورة التكنولوجيا والطاقة

النحاس يقود ثورة التكنولوجيا والطاقة
الأحد 14 ديسمبر 2025-
لم يكن أحد يتوقع أن يصبح النحاس، ذلك المعدن الأحمر الذي طالما ارتبط بالكابلات والأنابيب، بطل المشهد الاقتصادي العالمي في عام 2025. لكن مع انفجار ثورة الذكاء الاصطناعي، تغيّر كل شيء.
في مراكز البيانات العملاقة، حيث تصطف الخوادم كجيوش رقمية، يمرّ التيار الكهربائي عبر آلاف الكابلات النحاسية ليبقي العقول الاصطناعية مستيقظة.
وفي مصانع السيارات الكهربائية، تتضاعف الحاجة إلى النحاس لتشغيل المحركات وبناء البطاريات. فجأة، وجد العالم نفسه أمام عطش غير مسبوق لهذا المعدن، حتى وصفت الصحف العالمية الوضع بأنه “جوع النحاس”.
الأسواق لم تنتظر طويلًا. الأسعار قفزت بأكثر من 30% خلال العام، لتسجل مستويات قياسية في بورصة لندن للمعادن. المستثمرون يراقبون بقلق، والحكومات تبحث عن حلول، بينما يلوح في الأفق شبح نقص المعروض.
في عام 2025، بدا النحاس وكأنه يخرج من كونه مجرد معدن صناعي إلى أن يصبح رمزًا للتحولات الكبرى في الاقتصاد العالمي. فبينما كانت الأسواق تترقب أسعار النفط والذهب، جاء النحاس ليخطف الأضواء بارتفاع تجاوز الثلاثين في المئة، مدفوعًا بمزيج من العوامل التي جعلت منه مادة استراتيجية لا غنى عنها.
الطلب العالمي كان المحرك الأول. مشاريع الطاقة المتجددة، من توربينات الرياح إلى السيارات الكهربائية، تحتاج إلى كميات هائلة من النحاس لتشغيل شبكاتها وبنيتها التحتية. ومع توسع الرقمنة والاعتماد على الإلكترونيات الدقيقة، تضاعف الضغط على هذا المعدن الأحمر. في المقابل، لم يكن العرض قادرًا على مواكبة هذه الطفرة. المناجم في بعض الدول المنتجة واجهت اضطرابات، سواء بفعل الإضرابات العمالية أو التحديات البيئية، ما جعل السوق يعيش حالة من نقص المعروض.
لكن القصة لم تتوقف عند حدود العرض والطلب. السياسة دخلت على الخط. تحقيقات أمريكية حول واردات النحاس واعتبارها مسألة أمن قومي أضافت طبقة جديدة من المخاطر، فيما ساهمت توقعات خفض الفائدة وتراجع الدولار في جعل السلع الأساسية أكثر جاذبية للمستثمرين. كل هذه العوامل تلاقت لتدفع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة.
أما في اليمن، فقد انعكس هذا الارتفاع بشكل مباشر على الاقتصاد المحلي. الصناعات الكهربائية والإنشائية التي تعتمد على النحاس وجدت نفسها أمام تكاليف متزايدة، فيما ارتفعت أسعار الأسلاك ومواد البناء، لتثقل كاهل الأسر والمستهلكين. ومع ضعف الريال أمام الدولار، تضاعف الأثر، ليصبح النحاس عبئًا إضافيًا على الميزانية العامة وعلى حياة الناس اليومية.
هكذا، تحولت قصة النحاس في 2025 إلى سردية عن عالم يتغير بسرعة، حيث المعادن لم تعد مجرد مواد خام، بل أدوات تحدد مسار التحولات الاقتصادية والسياسية. وفي اليمن، كما في كثير من الدول النامية، كان هذا الارتفاع بمثابة تذكير قاسٍ بأن تقلبات الأسواق العالمية يمكن أن تصل إلى أبسط تفاصيل الحياة اليومية، من تكلفة بناء منزل إلى سعر جهاز طبي في مستشفى.
وهكذا، تحوّل النحاس من معدن عادي إلى بطل غير متوقع في رواية الاقتصاد العالمي، حيث تتقاطع خيوط التكنولوجيا والطاقة والسياسة في مشهد واحد، مشهد يفتح الباب أمام سؤال أكبر: هل يستطيع العالم أن يوازن بين شغفه بالتقدم وبين حدود الطبيعة؟




