اقتراح استبدال مشروع قانون المعاملات الربوية

اقتراح استبدال مشروع قانون المعاملات الربوية
اقتراح استبدال مشروع قانون المعاملات الربوية
الاحد 7 ديسمبر 2025-
تقدم المحاسب القانوني الأستاذ حسن الدولة بطلب استبدال مشروع قانون المعاملات الربوية، ولأهمية الموضوع قام ” اكنومي” بإعادة نشره..
الموضوع: اقتراح استبدال مشروع قانون المعاملات الربوية بإصدار لائحة تنفيذي شاملة طالما والقوانين النافذة ذات العلاقة قد حرمت التعاملات الربوية بكافة اشكالها.
فضيلة العلامة نائب وزير العدل
البروفيسور إسماعيل بن ابراهيم بن محمد الوزير المحترم
تحية طيبة وبعد:
إذ اتقدم لمعاليكم بالشكر الجزيل على دعوتي للمشاركة في مراجعة مشروع قانون المعاملات الربوية، وبالإشارة إلى الموضوع اعلاه ، وتعزيزا لورقة العمل التي تقدمت بها بذات الخصوص ونظرا لأن المشروع لو تم اصداره فسوف يؤدي إلى انعكاسات كارثية على كافة الأصعدة التشريعية والاقتصادية، والاجتماعية ، وسيؤدي إلى مطالبة المودعين لدى البنوك سحب ودائعهم وحساباتهم ، والتي استثمرتها في الدين العام ، وقد تم صرف تلك الاموال وتعجز الدولة عن سدادها وما يترتب على ذلك من انعكاسات اعلان افلاس الدولة امام المواطنين وغني عن البيان ما سوف يترتب على ذلك من عجز الدولة عن سداد قيمة سندات الدين -اذونات الخزانة – والاخطر من كل ذلك ان المشروع سيتعارض مع نصوص دستورية ومع القوانين الخاصة ذات العلاقة ، والقانون المدني العام وانعكاسات ذلك على الاجهزة القضائية وفقا لما فصلنا في ورقة العمل المذكورة أنفا، وبما ان القوانين النافذة قد عالجت كل ما يتعلق بما تضمنه مشروع قانون المعاملات الربوية ، الذي لم يأت بجديد سوى أنه سيؤثر سلبا على التشريعات النافذة ومنعا لكل ذلك نوصي باستبدال المشروع بلائحة تنفيذية تفصيلية تراعي كل ما تغيا المشروع مع مراعاة الاتي :
اولا: اصدار قانون ” صندوق الإقراض الحسن” ليخصص للمشاريع الصفيرة كتيسير البناء والزواج ونفقات العلاج في الخارج ..إلخ. لأن انشاء صندوق قرض حسن لتمويل المشاريع الاستثمارية في غير مقدور الدول.
ثانيا: تتضمن اللائحة المواد التي تضمنها المشروع مع ضرورة مراعات تعريف المعاملات الربوية، والفوائد الربوية ، وهي تلك التي تتسبب في الاضرار بطرفي العقود المالية.
ثانيا : يتم تضمين كل ما جاء تحديد في المشروع من مواد كع مراعاة ان يتم تحديد ما هي المعاملات الربوية ، وماهي الفوائد الربوية ، لأن ليس كل فائدة ربوية ، كما اثبتناه في ورقة العمل من خلال فتاوى علماء كبار ، بما ان الشريعة الاسلامية قد نظمت المعاملات ووَضَعَ المبادئ والأحكام التي تنظمها وتيسرها وتحفظ الحقوق، فاشترطت فيها : توفر العدل والتراضي المبني على العلم، وحرية الإرادة والأهلية والولاية وحسن النية، وأوجب الوفاء بالعقود ونهى أن يشوبها كل ما قد يؤدي إلى أكل المال بالباطل أو ما يؤدي إلى المخاصمة والنزاع ومنع التظالم عملا بقوله سبحانه “وإن تبتم فلكم رؤوس اموالكم لا تظلمون ولا تظلمون” أي يجب ان تتضمن اللائحة بأن التماثل في ظل العملة الورقية ليس في عدد بل في قيمة العملة الورقية.
كما يراعى في اللائحة النهي أن تشوب المعاملات أو العقود أحد المفاسد التالية:
1- الربا وهو كل كسب دون عوض ودون مقابل. وهو الزيادة المشروطة التي يأخذها الدائن من المدين نظير التأجيل.
2- الغبن وهو أن يبيع بأكثر من ثمن المثل أو يشتري بأقل منه، وهو عدم التماثل بين العوضين في القيمة ولا يعلمه المَغْبون عند التعاقد. والغبن نوعان: يسير وفاحش، واليسير لا يترتب عند وقوعه فسخ العقد، إلا في حالة بيوع الأمانة إذا كان ناجماً عن الخيانة فيحق له التعويض، أما الغبن الفاحش … فيحق للمغبون أن يطالب بفسخ العقد أن صاحب هذا الغبن مخالفة شرعية أخرى كالغش، أو كان يصعب عليه التوقي منه.
3- الغرر وهو الذي لا يدري هل يحصل أم لا. وهو كل معاملة أو بيع احتوى جهالة أو تضمن مخاطرة أو قماراً، يتقلب بموجبهما الربح بين الوجود وعدمه. وهو المجهول العاقبة، وما يؤدي إلى الظلم والعداوة والبغضاء.
4- الجهالة وهي ما عُلِمَ حصوله وجُهِلَت صفته إلى درجة تؤدي إلى عدم معرفة الحقوق المعقود عليها وتحديدها بما قد يؤدي إلى أن ينال أحد المتعاقدين من نصيب الآخر، بما قد يؤدي إلى النزاع والخلاف بينهما.
5- الغِشْ والتَّدْليس وهو كل عمل أو قول يقصد به التمويه أو خداع أو خيانة الطرف الثاني في عقد ينتج عنه رضاه بما لم يكن ليرضى به بدونه، ومنه : كتمان العيب والتطفيف، واستخدام وسائل احتيالية لإخفاء عيب أو لتضليل الطرف الثاني. ومنه النجش: وهو أن يقوم طرف ثالث متواطئاً مع البائع ولا يرغب حقاً في الشراء، بالتقدم بثمن أعلى لسلعة يعرضها البائع، بغرض خدع المشتري وأغرائه بشرائها بثمن أكثر من قيمتها. ويقاس عليه تواطؤ المشترين في المزايدات وغيرها ليحصل أحدهم على السلعة بثمن أقل من قيمتها.
6- الإكراه، والاحتكار، والاستغلال.
7- الشروط الجعلية التي تتعارض مع أي من الشروط الشرعية أو مع مقتضى العقد.”
ثالثا : كما يجب ايضا ان تكون اللائحة تنفيذية لكل المواد الصادرة في كل القوانين ذات العلاقة كع مراعاة الاتي:
1- تختزن قيمتها ، أما إذا كانت ورقية فهي بمثابة سند يجب أن يراعى فيها تغير قيمتها ، فاذا كان التغيُّر في قيمة العملة كثيرًا، فإنَّ هذا ضررٌ بَيِّنٌ يجب رفعه بمراعاة دفع الفارق فلا اعتبار للعدد بل للقيمة.
2- لا يصح قياس العملات الورقية المعاصرة على ما ذكره العلماء من وجوب رد المثل كما في الذهب والفضة؛ لأن الدنانير الذهبية والدراهم الفضية لا تفقد قيمتها وإن رخصت، بخلاف العملات الورقية التي لا قيمة لها في ذاتها، وإنما أخذت صفة الثمنية بقوتها القانونية، واعتماد الدولة التداول تعارف الناس واصطلاحهم عليها.
3- كان الأصل في التعاملات قديمًا: الاعتماد على الدنانير الذهبية والدراهم الفضية بيعًا وشراءً، وقضاءً واقتضاءً وغير ذلك، وفي عصرنا الحاضر صارت النقود الورقية هي أساس المعاملات، وأثمان الأشياء.
4- العملات الورقية ليست نقودا تختزن قيمتها كالذهب والفضة وانما يتغير سعرها تبعا لعاملي الانكماش والتضخم. الزيادة التي يأخذها الطرف المتضرر -سواء كان دائنًا أو مدينًا- ليست من الربا المحرم، إذ هي في الحقيقة تعويض لنقص القيمة التبادلية للنقود، فلا ظلم فيها، وإنما الظلم في الزيادة إذا كانت دون مقابل.
5- إذا كان الدَّين الثابت في الذمة ذهبًا أو فضة أو سلعةً من السلع التجارية الموزونة أو المكيلة، فالواجب: ردُّ المثل، مع مراعاة اختلاف قيمة العملة الورقية يوم تيوت الدَّين ويوم سداده، لأن التماثل إنما يكون فيما تجلبه الورقة من سلع وخدمات وسواء أكان الدَّين مهرًا مؤجلًا، أم ثمن مبيع، أم قرضًا حسنًا، وهذا باتفاق علماء الأمة. .
6- لابد من مراعاة المثل استنادا لحديث الاصناف الستة ، والمثل في العملة الورقية هو ما تجلبه من سلع وخدمات ومنافع وقال الشيرازي في “المهذب”: “ويجب على المستقرِض ردُّ المثل فيما له مثل؛ لأن مقتضى القرض: رد المثل”
7- .إذا كان الدَّين الثابت في الذمة من العملات الورقية، ثم بطل التعامل بها لأي سبب من الأسباب، فالواجب ردُّ قيمة هذه العملة من عملة أخرى أو من الذهب والفضة؛ وذلك لتعذر الأصل وهو المثل، فيُصار إلى القيمة، وفي هذه الحال ينظر إلى القيمة في يوم قبض الدَّين، أو ثبوته في ذمته، على الراجح من أقوال العلماء. قال ابن قدامة في “المغني”: “وَإِنْ كَانَ الْقَرْضُ فُلُوسًا.. فَحَرَّمَهَا السُّلْطَانُ، وَتُرِكَتْ الْمُعَامَلَةُ بِهَا، كَانَ لِلْمُقْرِضِ قِيمَتُهَا، وَلَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ قَائِمَةً فِي يَدِهِ أَوْ اسْتَهْلَكَهَا ؛ لِأَنَّهَا تَعَيَّبَتْ فِي مِلْكِهِ فعليه ردُّ قيمتها يوم قبضها لا يوم ردها”.
8- إذا كان الدَّين الثابت في الذمة من العملات الورقية، ثم رخصت قيمتها أو غلت مع بقاء التعامل بها، فمن ضروري مراعاة المثل في القيمة لا في العدد. لأن القوة الشرائية للنقود بمثابة الروح للبدن، منها تستمد النقود الورقية قدرتها على أداء جميع وظائفها، فنقصانها عيب مؤثر يحول دون إلزام الدائن بها؛ لكونها بعد نقص قيمتها الشرائية دون حقه الذي رضي به في العقد.
9- من المعلوم بأن عمومات النصوص الشرعية تأمر بالعدل والإنصاف، والنهي عن الظلم. وفي الكتاب العزيز : (وإن تبتم فلكم رؤوس اموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) ومراعاة تلافي وقوع الضرر على طرفي العقد، والقاعدة الشرعية تنص على رفع الضرر والتخفيف منه قدر المستطاع، فلا ضرر ولا ضرار، وليست مراعاة حق أحد العاقدين بأولى من الآخر. وقاعدة (وضع الجوائح) الثابتة في السنة الصحيحة، كما جاء عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) :أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ( رواه مسلم. و(الْجَوَائِح): الآفات غير الآدمية التي تصيب الثمار فتهلكها.
10- أن الزيادة الربوية في مسألة ( أتقضي أم تربي ) في غير مقابلة عوض، فهي نتيجة تراض بين الدائن والمدين على تأجيل السداد مقابل زيادة في الأجل، أما التعويض فهو مقابل تفويت منفعة على الدائن بلا رضاً منه.
عدم التسليم بأن الزيادة الربوية في غير مقابلة عوض، بل هي في مقابلة عدم الاستفادة من المال خلال مدة التأجيل، وحبس المال، وعدم انتفاع صاحبه به.
11- أن الزيادة الربوية الجاهلية لا تفرق بين مدين موسر ومدين معسر، فمتى حل الأجل طولب بالوفاء أو بالزيادة، أما التعويض فلا يلزم به إلا من كان موسراً مماطلاً، وإذا ثبت إعساره، فلا يلزم بأداء أي تعويض وان تحدد اللائحة قضية فارق القوة الشرائية للعملة أو ما هو متعلق بالفرضة المضاعة وهل يعيد المقترض القرض بعددها أم بقيمتها وقت استلم القرض. فإن أعادها بعددها وقد نقص من قيمتها العشر تحمل الدائن هذا النقص، وإن قلنا يُعيدها بالقيمة وجب على المدين أن يعيد عددا من النقود الورقية أكثر من الذي قبضه. هذا السؤال هو ما عكف عليه أساتذة الاقتصاد الإسلامي والفقهاء خلال العقود الماضية.
12- وان تحدد اللائحة قضية فارق القوة الشرائية للعملة أو ما هو متعلق بالفرصة المضاعة وهل يعيد المقترض القرض بعدده أم بقيمته وقت استلام القرض. فإن أعادها بعددها وقد نقص من قيمتها العشر تحمل الدائن هذا النقص، وإن قلنا يُعيدها بالقيمة وجب على المدين أن يعيد عددا من النقود الورقية أكثر من الذي قبضه. هذا السؤال هو ما عكف عليه أساتذة الاقتصاد الإسلامي والفقهاء خلال العقود الماضية ستتمكن اللائحة توضيحية.
رابعا: من مزيا اللائحة أنها تتيح الفرصة للتوسع فيها بشروحات وإيضاحات لا يسمح بها القانون ومن ذلك الاتي:
أن القول بأن التعامل بالفائدة المصرفية يجمع المال في أيدي مجموعة قليلة من الأفراد تجعلهم يتحكمون في مصير الأمة لا يستند إلى واقع عصري وإنما يعود إلى حقيقة تاريخية انتهى عهدها بحلول النظام المصرفي المعاصر. يتكون هذا النظام من مجموعة بنوك تجارية متخصصة مرتبطة بالبنك المركزي المملوك للدولة والذي يعمل وفقاً لسياستها وتحت إشرافها وتوجيهها. وبالتالي فإن دور البنوك في هذا النظام هو إتاحة الفرصة حتى لصغار المدخرين أن يستثمرون أموالهم بربح وأن تكون البنوك هي الواسطة الفعّالة بين هؤلاء المدخرين ورجال الأعمال لكي يساهموا جميعاً في تكوين رأس المال الوطني. فوفق هذا النظام المالي ليس من السهل أن تتحكم مجموعة قليلة من الناس لأن النظام المصرفي ملك لأفراد كثيرين ويعمل تحت الإشراف العام والرقابة المستمرة من قبل بنك الدولة. بل أن بنك الدولة والخزانة العامة هما السلطتان اللتان تستطيعان أن تزيدا أو تقللا من عرض المال حسب متطلبات الاقتصاد. فإذا ما زاد الطلب على المال أكثر من العرض فإن بنك الدولة والخزانة العامة يملكان من الوسائل النقدية والمالية الحديثة التي تمكن من زيادة عرض المال وبالتالي محاربة التحكم فيه من قبل أفراد قلائل. أما توزيع المال بين أفراد الشعب توزيعاً عادلاً فيعتمد على نظام الضرائب وإنتاجية الفرد وكفاءته وغير ذلك من الأمور الاقتصادية والاجتماعية التي لا علاقة لها بسعر الفائدة في النظام المصرفي المعاصر.
وحيث أن المال الذي تُقرضه البنوك هو ليس مالها الخاص وإنما يعود لأفراد ومؤسسات، فإن هذا من شأنه أن يكون عائقاً أمام أصحاب البنوك لاستغلال هذا المال كسلاح للتحكم في أفراد الشعب لأن أصحاب المال الأصليين يمكن أن يسحبوا أموالهم في أي وقت. كما أن الدولة مكلفة بحماية حقوق مواطنيها الذين يودعون أموالهم في البنوك عن طريق فرض احتياطيات قانونية إلزامية وإقراض البنوك عند الحاجة عن طريق البنك المركزي.
أما القول بأن فرض الفائدة سيتسبب في ارتفاع الأسعار لأن رجل الأعمال يضيف الفائدة التي يدفعها إلى سعر منتجه فهو استنتاج صحيح من حيث أن عائد المال يشكل عاملاً من عوامل التكلفة، ولكن هذه القاعدة صحيحة في جميع الأحوال ولا تقتصر على الحالة التي يكون فيها رجل الأعمال هو المقترض من البنك مقابل فائدة محدودة. إن الهدف الأساسي من عملية استعمال المال في الإنتاج والتجارة هو تحقيق مبلغ معين من الربح ثم توزيع هذا الربح بين العناصر التي اشتركت في تحقيقه بما في ذلك رأس المال. فعندما يحدد المنتج ثمن إنتاجه فهو يفعل ذلك عن طريق حساب جميع التكاليف التي تكبدها ثم يضيف مبلغاً معيناً كربحٍ له. فإذا كان مقترضاً للمال مقابل فائدة محدودة فهو يضيف ما دفعه من فوائد إلى تكاليف الإنتاج وصافي الربح يعود له وحده. وأما إذا كان مشاركاً لصاحب المال فهو لا يضيف أي فائدة إلى التكاليف ولكنه يتقاسم الربح مع صاحب المال، ومن هنا يجب أن يكون مبلغ الربح في هذه الحالة أكثر من الحالة الأولى حتى لا يتضرر رجال الأعمال من تلك المشاركة. وحيث أن سعر السلعة عادة يعادل تكاليف إنتاجها مضافاً إليه ربح رجال الأعمال فإن النتيجة واحدة سواءَ حُسِب مردود المال ضمن تكاليف الإنتاج أو ضمن الربح الذي يوزع بين صاحب المال ورجل الأعمال. ففي كلتا الحالتين، لابد من حساب مردود معين لرأس المال. وحيث أن العوامل التي تحدد حجم هذا المردود هي واحدة فإنه لا يمكن أن يكون سعر الفائدة سبباً رئيسياً في ارتفاع الأسعار.
أن ارتفاع الأسعار يرجع في المرتبة الأولى إلى زيادة الطلب عن المعروض من السلع والخدمات، وهذا الارتفاع يمكن أن يحدث حتى لو لم تكن هنالك أية فائدة على استعمال رأس المال لأن إنتاج السلع والخدمات يعتمد على عوامل أخرى مثل كلفة اليد العاملة ومستوى التكنولوجيا المستعملة وكفاءة التنظيم ومقدرة الاقتصاد على الإنتاج. فلو افترضنا أن المال متوفر بكميات كبيرة مثلما هو الحال في بعض البلدان المصدرة للبترول ذات الإمكانيات البشرية المحدودة من حيث الكم والكيف والتنظيم والوعي، فإن هذا لا يعني أن أسعار السلع والخدمات في تلك البلدان ستكون منخفضة بسبب توفر المال، بل العكس عادةً ما يكون صحيحاً لأنه كلما زادت كمية المال دون أن تقابلها كمية مماثلة من الإنتاج، قلت قيمة النقود وارتفعت أسعار السلع والخدمات التي تتبادل بها النقود. أما القول بأن ارتفاع الأسعار يسبب فائضاً من السلع وهذا الفائض هو الذي دفع الدولة المصنعة إلى إتباع سياسة استعمارية فهذا أمر مبالغ فيه لأن الاستعمار الغربي جاء كنتيجة حتمية لعدة حركات قومية متنافسة وظروف اقتصادية واجتماعية لم يكن فائض الإنتاج من أهمها. ثم أن أي فائض ينجم عن ارتفاع الأسعار لابد له وأن يسبب في انخفاض هذه الأسعار إلا إذا كان السوق محتكراً احتكاراً كاملاً وهو لا وجود له في هذا الزمن في إطار تحرير التجارة الدولية في عصر العولمة.
أن سعر الفائدة لا يمكن أن يكون مسئولاً عن نشوء الدورات التجارية وما تسببه من أضرار اقتصادية واجتماعية ناجمة عن تدهور الأوضاع الاقتصادية وانكماش مستوى الاستثمار والعمالة وانخفاض في دخل الفرد ومستوى الاستهلاك تبعاً لذلك. فالسبب الرئيس لهذه التقلبات الاقتصادية كان ولا يزال هو تفاؤل أو تشاؤم رجال الأعمال حول المستقبل ومستوى الأرباح المتوقعة. ويرجع أصل هذا التشاؤم أو التفاؤل إلى عوامل نفسية وسياسية ليس لسعر الفائدة وجوداً بينها، ناهيك عن أن قصور التوقعات الإحصائية في المدى الطويل يعتبر من العراقيل المزمنة في طريق الاستقرار الاقتصادي. أن سعر الفائدة في ظل وجود تقلبات اقتصادية يمكن أن يكون أداة مفيدة في يد الدولة توجه به النشاط للصالح العام. خلاصة القول أن جميع الأضرار التي تنسب إلى نظام التعامل بالفائدة هي في حقيقة الأمر وواقع البحث العلمي لا ترتبط بسعر الفائدة ولكنها ترجع إلى أسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية لا تزال قيد البحث والدراسة. وستظل قائمة ولو بأشكال مختلفة حتى ولو افترضنا إزالة نظام التعامل بسعر الفائدة. وعلى هذا الأساس، لا يمكن القول بأن الربا الذي حرمه الإسلام هو الفائدة التي تدفعها البنوك لأصحاب المال وتأخذها من رجال الأعمال الذين يقترضون منها في النظام الاقتصادي المعاصر. أن سعر الفائدة بمفهومه العصري وحسب ما هو مطبق في النظم الاقتصادية التي تعتمد على الملكية الفردية والعمل من أجل الربح له دور إيجابي في توجيه الأموال اللازمة لصالح هذه النظم بينما الربا الذي حرمه الإسلام يمثل فرض نسبة مالية على القروض التي يمنحها المرابون الذين يكونون فئة قليلة من الشعب والذين كانوا قبل نشوء النظام المصرفي المعاصر يتحكمون في مصير المقترض بدون رقابة ولا توجيه مستغلين في ذلك حاجة الفرد للمال وانعدام أي بديل له، ولهذا السبب كان الربا مضراً للمجتمع وحرمه الإسلام.
من جانب آخر فإن من بين الحجج الأخرى التي يذكرها الذين لا يقرون بشرعية الفائدة المصرفية المعاصرة هي الحجة القائلة بأن البنوك تعطي فائدة منخفضة على الودائع التي تستلمها ثم تقوم بإقراضها بفائدة مرتفعة وتكسب الفرق بين السعرين. لو كان هذا هو الحال الذي ينطبق على النظام المصرفي المعاصر، لاعترفنا بأنه مضر ويتنافى مع العدالة التي يطالب بها الإسلام، ولكن الواقع هو أن البنوك لا تتمتع بحرية مطلقة في تحديد ما تدفعه من فوائد لأصحاب الودائع أو ما تفرضه من فائدة على من يقترضون منها لأن حرية البنك في هذا الأمر مقيدة بالعوامل الآتية:
مستوى النشاط الاقتصادي والطلب على النقود: يمكن للبنك أن يفرض فائدة عالية على المقترضين، إذا كان الطلب على النقود مرتفعاً نتيجة لازدهار اقتصادي ولكنه في نفس الوقت لا يستطيع أن يقرر لأصحاب الودائع فائدة منخفضة السعر لأنه لو فعل ذلك لامتنع هؤلاء عن إيداع أموالهم لدى البنك ولقاموا بدلاً من ذلك باستثمارها في مجالات أخرى تدر عليهم فائدة أكبر. ولهذا السبب يضطر البنك إلى أن يرفع الفائدة التي يدفعها إلى أصحاب الودائع حتى يتمكن من الحصول على المال الذي يمكن أن يقرضه لرجال الأعمال.
أن التنافس بين البنوك في الحصول على الودائع وإقراضها يحد من حريتها في تحديد الفائدة التي تدفعها للمودعين والفائدة التي تطلبها من المقترضين، فإذا ما حاول أي من البنوك الاستغلال فإنه سرعان ما يخسر المودعين إلى بنك آخر ويضطر بعدها التراجع حرصاً على مصلحته. هذا هو الحال في النظام المصرفي المعاصر. أما العكس فيتمثل في وجود المرابين وحدهم في السوق حيث يحصل الاحتكار وينشط التعامل بالربا الذي حرمه الإسلام.
تسبق هذه العوامل كلها رقابة البنك المركزي (بنك البنوك) على النظام المصرفي المعاصر. لقد نشأ نظام البنك المركزي في كل البلاد الصناعية وفي معظم البلاد النامية مسلحاٌ بقوة القانون والدراية المصرفية والاقتصادية والمحافظة على المصلحة العامة. فإذا ما دعت الضرورة والمصلحة العامة أن يتدخل البنك المركزي في تحديد مستوى سعر الفائدة فبإمكانه أن يفعل ذلك عن طريق التحكم في عرض النقود وتوجيه الطلب عليها وكذلك عن طريق تحديد الحد الأقصى لسعر الفائدة الذي يمكن أن يأخذه إلى البنك من عملائه. إن فعالية البنك المركزي (بنك الدولة) في تحديد سعر الفائدة وتوجيهها في خدمة الصالح العام أمر مسلّم به نظرياً وعملياً. ولهذا لا يصح القول بأن البنك التجاري هو الذي يحدد سعر الفائدة وباستطاعته أن يفعل ذلك بطريقة استغلالية، أما الربا فهو ناتج عن تحديد المرابون في العصر الجاهلي وحتى يومنا هذا الربا بطريقة فاحشة واستغلالية لأن العوامل الثلاثة المشار إليها أعلاه لم يكن لها وجود آنذاك، لأن البنوك تعمل في ظل نظام مصرفي معاصر لا يملك حرية الاستقلال ويخضع لرقابة فعالة تمارسها الدولة عن طريق البنك المركزي وسياسة الخزانة العامة.
يدعي الذين يطالبون بتحريم الفائدة بأن البنوك تحصل على أرباح ضخمة تجعلها بمأمن من كل مخاطرة بحيث تكون مطمئنة إلى استرداد قروضها وفوائدها من دون أي خسارة. إن هذا الادعاء مبالغ فيه كثيراً ولا ينطبق على الواقع إذ أن أرباح البنوك في النظام المصرفي المعاصر لا تعتبر عالية بالنسبة لغيرها من النشاطات الاقتصادية، ناهيك عن أن هذه الأرباح تخضع إلى فرض ضريبة تصاعدية تتفق مع الصالح العام وفقاً لما تقرره السلطات التشريعية والتنفيذية. كما أن أرباح البنوك بشكل عام ليست أكثر من الأرباح الناتجة عن تأجير المباني والمضاربة في العقارات والعمل في المقاولات وغير ذلك من النشاط التجاري المألوف في بلادنا العربية، إضافةً إلى أن البنوك عندما تقرض العميل فهي بصورة عامة تخاطر مع العميل في عملية التجارة ولا يمكن القول بأنها “بمعصم من كل خسارة”، لأنه في حالة الكساد العام يزيد الإفلاس بين رجال الأعمال مما يؤدي إلى ضياع أموال البنك، حيث تصبح الضمانات التي يملكها البنك على القروض قليلة القيمة بسبب انعدام الطلب عليها، كما أنه في الحالات العادية نجد أن كل البنوك بدون استثناء تضع في ميزانيتها مبالغ لتغطية الديون المعدومة والتي لا يمكن تحصيلها لسبب أو لآخر. لذلك يمكن القول بأن البنك مهما احتاط وبغض النظر عما لديه من ضمانات لابد له من المشاركة في المخاطرة والمجازفة مع العميل الذي يقترض المال لأغراض تجارية، كما أن الشخص الذي يودع أموالاً في البنوك يخاطر إلى حد ما مع البنوك ومع العميل الذي يقترض هذا المال من البنوك.
يقدم الذين يعترضون على شرعية الفائدة نظام المضاربة والمرابحة كبديل إسلامي للفائدة على القروض الإنتاجية. إذا ما تأملنا في أحكام هذا النظام نجد أن الفرق الأساسي بينه وبين نظام الفائدة المتعامل به في البنوك المعاصرة هو أن مردود استعمال رأس المال يحسب كجزء من الأرباح الناتجة من التجارة وذلك لأن صاحب المال يدخل كشريك مع رب العمل في التجارة بينما في النظام المصرفي المعاصر يأخذ نسبة محدودة من رأس المال بغض النظر عن مبلغ الأرباح التي يمكن أن تتحقق لرب العمل من تجارته. ولكننا أوضحنا فيما سبق أن هذا الفرق صحيح في الشكل وليس في الجوهر لأن مردود المال سواء حُسب على أساس الفائدة المحددة أو كجزء من الأرباح فهو يعتمد في النهاية على مستوى الأرباح، فارتفاع مستوى الأرباح في التجارة يؤدي إلى ارتفاع سعر الفائدة في البنوك وكذلك إلى ارتفاع نصيب رأس المال من الأرباح في نظام المضاربة.
ولكن لو سلمنا جدلاً بأن المضاربة والمرابحة تختلف اختلافاً جوهرياً عن النظام المصرفي المعاصر فهل يمكن لهما أن تحلا محله؟ يرتكز نظام المضاربة في المعاملات المصرفية على قاعدة أساسية وهي أن علاقة المودعين والبنك وعلاقة البنك وأصحاب المشروعات الإنتاجية مبنية على أساس المشاركة وتوزيع الربح بين المشتركين على أسس متفق عليها مسبقاً. وبالتالي فإن هذه القاعدة تفترض أن جميع الذين يودعون أموالهم في البنوك التجارية يقومون بذلك بقصد الربح في كل الأحوال. ولكن الواقع هو غير ذلك، إذ أن معظم ودائع البنوك التجارية هي ودائع تحت الطلب لأغراض تسديد العمليات التجارية الجارية ولا يدفع عليها فائدة تذكر لأن لأصحابها الحق في سحبها في أي وقت يرغبون، وبالتالي لا يستطيع البنك أن يشارك بتلك الأموال في مشروعات تجارية قد تحتاج إلى مدة طويلة حتى تأتي بربح. وهكذا لا يمكن لنظام المضاربة أن يوفر احتياجات الاقتصاد المعاصر في خدمة الحسابات الجارية والتعامل بالشيكات بدلاً من البنكنوت (النقود) والقروض القصيرة المدى التي عادة لا تتجاوز مدتها ستة أشهر.
أما الجزء الثاني من الودائع التي تتمثل في ودائع التوفير وودائع لأجل فهو في حد ذاته لا يكفي لتمويل احتياجات الاقتصاد في مجال القروض الإنمائية، إذ أن غالبية أصحاب هذه الودائع ليسوا راغبين ولا مستعدين للمشاركة في التجارة لأن لديهم بعض الأموال التي وفروها ويرغبون في الاحتفاظ بها في حالة قريبة من السيولة حتى إذا ما احتاجوا لها يمكن استردادها من البنك بسرعة. وإذا عرفنا أن أصحاب المال والشركات المساهمة لا يودعون أموالهم عادة إلا لآجال قصيرة (أسبوع إلى ثلاثة أشهر) يتبين لنا أن البنوك التجارية عادة لا تقدم على قروض طويلة المدى بحماس لأن الأموال التي تتعامل بها هي إما تحت الطلب أو مودعة لآجال قصيرة.
أما المشروعات الإنتاجية التي تساهم في تنمية إنتاج السلع والخدمات عن طريق تمويل مشروعات إنمائية فهي تحتاج إلى قروض طويلة الأجل وبفوائد منخفضة نسبياً أو عن طريق المساهمة في رأس المال والمشاركة في الربح، ولهذا الغرض توجد في النظام المصرفي المعاصر بنوك وصناديق ومؤسسات تمويل متخصصة (مثل المؤسسات المتخصصة بالتسليف الصناعي والزراعي والعقاري) إما أن تكون حكومية كما هو الحال في بلادنا أو مشتركة بين الحكومة والقطاع الخاص أو خاصة تتمتع بمساعدات معينة من الحكومة. إن بنوك وصناديق الاستثمار هذه تشترك مع رب العمل في المشروعات الإنتاجية عن طريق شراء وامتلاك نسبة معينة من أسهم الشركة المالكة للمشروع. وبناءً على ما سبق، يمكن القول بأنه يتوفر في النظام المصرفي المعاصر عدة سبل لتمويل المشروعات الإنتاجية بطريقة تراعي العدالة وتخضع للرقابة من قبل الدولة. أما فيما يخص بنوك الاستثمار فإن صاحب المال يشارك مع رب العمل في منح القروض الإنتاجية وبالتالي هناك مجال واسع أمام رب العمل لاختيار أفضل السبل لتمويل مشروعاته إما عن طريق الاقتراض أو المشاركة. أما في نظام المضاربة فلا يوجد مجال للاختيار بالنسبة لرب العمل ولا بالنسبة لصاحب المال. فهم مرغمون على الدخول في المشاركة المباشرة.
كما أن نظام المضاربة لا يتضمن تحديد الحصة التي يمكن لصاحب المال أن يطلبها من رب العمل عند الدخول في المشاركة الأمر الذي يحول دون مراعاة العدالة التي ينشدها الإسلام؛ فالأمر فوق هذا الظلم متروك لما يتفق عليه صاحب المال ورب العمل، مما قد يمكن صاحب المال من استغلال رب العمل كلما يكون رب العمل في حاجة إلى المال. فعلى سبيل المثال، قد يطلب صاحب المال أن يتحصل على ثلاثة أرباع الربح وقد يضطر رب العمل إلى قبول ذلك لأنه محتاج. كما أنه في حالة عدم تحقيق أرباح من المشاركة يبقى رأس المال لصاحبه بينما رب العمل لا يحصل على شيء مقابل جهده ربما لمدة عام أو أكثر. فهل هذا لا يمثل استغلالاً من قبل صاحب المال لرب العمل؟.. إن هذا الوضع في رأينا أسوأ من النظام المصرفي المعاصر الذي يحدد نصيب صاحب المال مقدماً على أساس القانون والمنافسة الحرة والرقابة العامة من قبل البنوك المركزية التابعة للدولة.
خامسا: يجب ان ينص في ديباجة اصدار اللائحة العبارة التالية: ” وبما لا يتعارض مع الدستور والقوانين ذات العلاقة النافذة”
أرجو أن يجد القائمون على تبني مشروع قانون منع التعاملات الربوية في هذا المقترح ما يحفزهم على استبدال القانون بلائحة تنفيذية تراعي فيها منع لتعاملات الربوية التي حرمت وقت التنزيل وتدفعهم الى الحوار والاجتهاد في واقع الفرق بين الربا المحرم نصاً والفائدة المصرفية المعاصرة المستجدة بما لها من خصائص وأدوار حميدة وما عليها من مآخذ تعمل البنك المركزي والدولة على الحد منها ومراقبة آثارها السلبية .
وختاما امل ان يدرك الاخوة المشاركون في ورشة العمل هذه اهمية هذا المقترح فيدرجونه ضمن توصيات التي تخرج بها هذه الندوة المباركة والله ولي السداد والتوفيق وتفضلوا بقبول فائق الاحترام والتقدير
اقرأ أيضا: الأزمة الاقتصادية في اليمن تُرغم لاجئي الصومال العودة من عدن لمقديشو




