جوهر الصراع بين البنك المركزي بعدن والحكومة

جوهر الصراع بين البنك المركزي بعدن والحكومة

الأربعاء 10 سبتمبر 2025-

طفت على السطح مؤخرا خلافات كبيرة بين الحكومة في عدن وقيادة البنك المركزي بعدن بقيادة أحمد غالب المعبقي ، وفي هذا الصدد يرصد الزميل ريام محمد مخشف الصحفي في وكالة سبأ التابعة لحكومة عدن ، تحليلا للخبير الاقتصادي وحيد الفودعي حول جوهر الخلاف والذي تم تلخيصه في النقاط التالية:

(1) الخلاف بين البنك المركزي ووزارة المالية لم يكن يومًا صراعًا شخصيًا على النفوذ؛ بل هو معركة حول مبدأ جوهري: استقلالية البنك المركزي.

عندما يُختزل الأمر في تجاذب بين مسؤولين، تُطمس الحقيقة: ما يجري هو خلل بنيوي في إدارة موارد الدولة، ترك البنك المركزي وحيدًا في مواجهة أزمة مالية واقتصادية تتجاوز قدرته.

(2) القوانين اليمنية تنص بوضوح على استقلالية البنك المركزي وحقه في إدارة الموارد السيادية، لكن الواقع مختلف تمامًا:

• دولة بلا موازنة منذ سنوات.

• 75–80% من الموارد خارج سيطرة البنك المركزي.

• إيرادات الجمارك تُصرف من المنافذ مباشرة بلا مرور بالبنك.

بهذا الشكل، فقدت الدولة قدرتها على التخطيط المالي، وتحولت مواردها إلى مبالغ مبعثرة بلا أولوية أو رقابة.

(3) الأخطر أن جزءًا كبيرًا من إيرادات الدولة يُودع في محلات الصرافة بدل البنوك.

موارد عامة كان يفترض أن تموّل الرواتب والخدمات، صارت وقودًا للمضاربة بالعملة، تضغط على السوق النقدية وتوسع فجوة الثقة بالريال.

فهل يمكن أن يُطالب البنك المركزي بتغطية التزامات مالية من موارد لا يديرها أصلًا؟ هذا هو جوهر الصراع اليوم.

(4) توقف صادرات النفط منذ نوفمبر 2022 فضح هشاشة المالية العامة.

المفترض أن تُسارع الحكومة لإجراءات عاجلة: إيرادات بديلة، ترشيد إنفاق، حماية الموارد المتبقية.

لكن ما حدث كان العكس: الموارد القليلة تُركت لتدار عبر الصرافة كما كان يحدث من قبل، فتحولت من رافد سيادي إلى أداة مضاربة جديدة.

(5)البنك المركزي قدّم حلولًا واضحة: إصلاح الجمارك والضرائب، سعر صرف جمركي واقعي، ترشيد الإنفاق، إصلاح الكهرباء بالتحول من الديزل إلى المازوت الأرخص.

هذه المقترحات أُقرت رسميًا في مايو 2025 كجزء من إصلاحات التزمت بها الحكومة، وهي أساسًا استحقاقات منذ 2022.

لكن التنفيذ لم يحدث… فتحولت إلى اشتراطات من المانحين قبل أي دعم جديد، بينما الحكومة نوم.

(6) بين أكتوبر 2022 ويونيو 2025، موّل البنك المركزي الحكومة بـ 2.6 مليار دولار استُنزفت من كل الحسابات الممكنة: الودائع السعودية، أرصدة البنوك، الاحتياطيات الإلزامية، أذون الخزانة… حتى الرمق الأخير.

لكن المشكلة لم تتوقف عند الخارج، بل ضربت الداخل: أزمة سيولة خانقة للبنوك، وانسداد الدورة النقدية في السوق.

(7) حين أصبحت الخزائن شبه فارغة، والسيولة في السوق شبه معدومة؛ أصدر البنك المركزي تعميمًا بتحصيل الإيرادات بالعملة الصعبة بدلًا من الريال.

ولم يتردد في دعوة النائب العام والجهات الرقابية لفتح الخزائن والتأكد بنفسهم: لا أموال مخفية، ولا سيولة سرية.

هنا يتجسد المشهد: بنك مركزي مكشوف تمامًا، وحكومة تنفق بلا تغطية أو اعتبار للعواقب.

إيرادات الدولة السنوية لا تتجاوز 750 مليار ريال، بينما الإنفاق يتخطى 3 تريليونات!

ورغم أن القانون يحدد سقف إقراض المركزي للحكومة بـ 500 مليار، وصل الدين فعليًا إلى 8.2 تريليون ريال – أكثر من 16 ضعف الحد القانوني.

هكذا تحوّل البنك المركزي من سلطة نقدية مستقلة إلى خزينة طوارئ مفتوحة بلا قيود.

‏(9) حتى المنح الخارجية لم تسلم من الفوضى.

حين قدّمت السعودية منحة لتخفيف الأزمة، طالب المركزي بإدارتها فنيًا لضمان سرعة وفاعلية الصرف.

لكن وزارة المالية رفضت وأبقت السيطرة بيدها، فتأخرت الرواتب وازدادت معاناة الناس، لتتجدد أزمة الثقة.

‏(10) المجتمع الدولي أوضح موقفه بلا لبس:

لن يكون هناك أي دعم مالي جديد ما لم تُنفذ إصلاحات جوهرية.

إعادة الانتظام للموازنة، توريد الإيرادات للبنك المركزي، إصلاح الجمارك والكهرباء… هذه ليست إملاءات، بل شروط بديهية لضمان استقرار أي اقتصاد.

تجاهلها لم يحرم اليمن من الدعم فقط، بل ترك البنك المركزي يواجه وحده التزامات دولة عاجزة وخزائن فارغة.

‏(11) الأزمة لم تبقَ حبيسة الأرقام والمؤسسات؛ بل انعكست مباشرة على حياة الناس: تأخرت الرواتب، انهارت الخدمات، وارتفعت أسعار الغذاء والدواء، فيما استنزفت الحكومة ووزارة المالية موارد الدولة في غير موضعها. وهكذا وجد اليمنيون أنفسهم بين غياب الدخل وتضخم يلتهم ما تبقى من قدرتهم الشرائية، لتتحول الأزمة المالية إلى عبء اجتماعي خانق يهدد السلم المجتمعي.

‏(12) استقلالية البنوك المركزية مبدأ عالمي راسخ لحمايته من تغول المالية العامة.

لكن في اليمن، جرى تسييس البنك المركزي وتحويله إلى خزينة فرعية تحت يد وزارة المالية.

هذا التغوّل لا يهدد السياسة النقدية فحسب، بل يقوّض الثقة في الدولة نفسها.

حين يفقد البنك استقلاليته، تفقد العملة استقرارها، ويصبح الاقتصاد كله رهينة للفوضى المالية والقرارات السياسية قصيرة النظر.

‏(13) وعليه؛ فإن الصراع بين البنك المركزي ووزارة المالية ليس إداريًا عابرًا، بل مسألة بقاء لمؤسسة يُفترض أنها صمّام أمان الاقتصاد.

استمرار تهميش المركزي يعني ببساطة انهيار آخر أدوات الاستقرار.

أما استعادة استقلاليته فهي الشرط الأول لأي إصلاح اقتصادي حقيقي، والأساس الذي تُبنى عليه بقية المعالجات.

اقرأ أيضا:قيادات الحكومة في عدن الملاك الحقيقيون للبنوك وشركات الصرافة

Exit mobile version