سوق الحنضل بسيئون… حين تتحول الأسواق الشعبية إلى معالم سياحية

سوق الحنضل بسيئون… حين تتحول الأسواق الشعبية إلى معالم سياحية
- عبدا لرحمن مطهر
الاحد 23 نوفمبر 2025-
تقع مدينة سيئون في قلب وادي حضرموت، وهي واحدة من أبرز مدن اليمن التاريخية وأكثرها حيوية. عبر القرون، شكّلت سيئون مركزًا حضاريًا واقتصاديًا، واحتضنت السلطنة الكثيرية التي تركت بصماتها في العمارة الطينية المهيبة، وفي الأسواق الشعبية التي لا تزال حتى اليوم شاهدة على حياة الناس وتقاليدهم.
وتمتاز مدينة سيئون باعتبارها متحف حضاري مفتوح، يجمع ما بين الفن المعماري الفريد والتميز، والقصور الحضارية كقصر الكثيري، ومساجدها التاريخية، والأسواق الشعبية ، فشكلت سيئون في مجملها لوحة متكاملة من التاريخ والعمارة والاقتصاد الشعبي. من أبرز معالمها:

سوق الحنظل
واليوم سنتحدث عن أحد أبرز الأسواق الشعبية في مدينة سيئون التاريخية، وهو سوق الحنضل ، ومن لا يعرف الحنضل ، نقول له هو نوع من المكسرات، يسميه البعض “لب” وفي شمال اليمن يسمى “زعقة” وهكذا في كل منطقة.
والأسواق الشعبية في سيئون ليست مجرد أماكن للبيع والشراء، بل فضاءات سياحية اجتماعية وثقافية، يلتقي فيها الناس ويشربون القهوة الحضرمية، ويتبادلون الأحاديث والقصائد الشعرية فيما يشبه الندوات الشعبية الثقافية.
هذه العناصر مجتمعة جعلت من سيئون مقصدًا سياحيًا وثقافيًا، حيث يجد الزائر نفسه أمام مدينة تجمع بين الأصالة والحداثة، وبين التاريخ الحي والاقتصاد الشعبي.
ويقع سوق الحنضل شمالي قصر السلطان الكثيري، في قلب المدينة التاريخية، ويُعد من أقدم أسواق سيئون، وكان يُعرف قديمًا باسم سوق قسبل. مع مرور الزمن ارتبط اسمه بالحنضل، وهو نوع من المكسرات الحضرمية الشهيرة، فأصبح السوق علامة مميزة للمدينة، ولا يمكن للزائر لـ سيئون ما يشتري ضمن الهدايا كمية لا باس بها من الحنضل ، بالطبع إلى جانب ما تمتاز به سيئون من منتجات رائعة كالعسل والحناء والبخور وغيرها من المنتجات.
وقبل سنوات، كان السوق يعاني من العشوائية وضعف التنظيم، لكن مشروع الصندوق الاجتماعي للتنمية أعاد إليه الحياة من خلال ترميم بعض المحلات ورصف ازقة السوق وذلك في العام 2018 بعد تأثره بفيضانات شهدتها المنطقة، وتبلغ مساحته 280 مترا مربعا، وذلك للحفاظ على السوق الذي يعتبر أحد أبرز المعالم في سيئون، فتم إعادة بناء السوق باستخدام تقنيات العمارة الطينية التقليدية، كذلك زُيّنت واجهاته بالنورة البيضاء، ليبدو كتحفة معمارية متجانسة مع قصر الكثيري المجاور.
اليوم، يبدو السوق كلوحة بيضاء ناصعة، تحاكي جمال العمارة الحضرمية، وتمنح الزائر إحساسًا بالعودة إلى الماضي، مع لمسة حديثة من التنظيم والنظافة.
والحنضل الحضـرمي، “الزعقة” ليست النبات المعروف بمرارته، بل نوع من المكسرات الفريدة التي ارتبط اسم السوق بها. هذه المكسرات أصبحت رمزًا حضرميًا، وارتبطت بالهوية الغذائية للمنطقة.
ونبات الحنظل يتم جلبه إلى المعامل في حضرموت من خارج اليمن وفي الأغلب من الهند ومن افريقيا باستثناء نوع واحد تتم زراعة نباته في اليمن، ويسمى قضيم.

ومن يعملون في تحميص الحنضل يستخدمون الغاز في عملية التحميص، بدلا من غيره من المشتقات النفطية التي كانت تستخدم سابقا، تجنبا لانبعاث الدخان الكثيفة عند التحميص، حيث تستغرق عملية الإنتاج بين دقيقتين إلى 5 دقائق بعد وضعه على النار، بحسب الماء وقوة النار.
كما ان عملية التحميص ليست بالعملية اليسيرة، بل تمر بمراحل عدة. فبعد إحضاره تبدأ تنقيته من الشوائب، ثم تركه منقوعا بالماء يوما كاملا، ثم يخلط مع الماء والزيت والملح ويوضع على النار، ثم يجفف ويغلف في أكياس، ثم يوزع في الأسواق.
أدوات الإنتاج
وفي هذا الصدد يوضح الباحث في الموروث الحضرمي أيوب باقادر -للجزيرة نت- وجود نوعين من الحنظل في حضرموت، أحدهما يزرع فيها ويسمى قضيم، ولكن يعرض بشكل موسمي في موسم الأمطار، غير أن الإقبال عليه من قبل المتسوقين ضعيف جدا.

وثمة نوع آخر وهو الذي يتم استيراده من الخارج من مصر والسودان، ويتم تحضيره من خلال تركه في الماء مدة يوم كامل، ثم يجفف ويتم تحميصه على النار.
وهناك طريقتان لغلي الحنظل، إحداهما تتم عبر آلات حديثة يتم استيرادها من الخارج، ويكون الإنتاج فيها سريعا، أو عن طريق أدوات بدائية لكنها بطيئة الإنتاج.
منتجات سوق الحنضل
وإلى جانب الخنضل يباع في هذا السوق الكثير من المنتجات أغلبها المكسرات كالفستق، واللوز والجوز، وحب العزيز والفول السوداني، وغيره، إلى جانب الحناء الحضرمي التي تُستخدم في مختلف المناسبات والأعراس، وتحمل قيمة ثقافية واجتماعية.
وكذلك يتم بيع البهارات التي تعكس تنوع المطبخ الحضرمي الشهير والمميز، وتُستخدم في أطباق تقليدية شهيرة.
إلى جانب العديد من الحلويات الشعبية التي تمنح الزائر فرصة لتذوق نكهات حضرموت الأصيلة.
كذلك يتم بيع الكثير من الزيوت كزيت الزيتون والسسمسم ، وهناك أيضا معطارة “صرهيد”: وهي من أشهر منتجات السوق، وتُستخدم في المناسبات الاجتماعية.
الأهمية الاقتصادية والاجتماعية
السوق يضم عشرات المحلات الصغيرة والتي تشبه إلى حد كبير المحلات الصغيرة الموجودة في سوق الملح بصنعاء والذي تحدثنا عنه سابقا، وتمثل هذه المحلات القديمة والتاريخية شريانًا اقتصاديًا للأسر الحضرمية، فكل متجر هنا ليس مجرد مكان للبيع، بل قصة عائلة توارثت هذا العمل أبا عن جد، وتعتمد على هذا السوق كمصدر رزق أساسي.

سر شهرة سوق الحنضل
وسر شهرة هذا السوق في مدينة سيئون التاريخية ، هي ان معظم إن لم نقول جميع الحضارم لا يمضغون أوراق القات كسكان معظم المحافظات اليمنية ، لذلك يخرجون عصر إلى الحقول أو النوادي أو المقاهي أو المجالس الاجتماعية ، ويستمعون للدان الحضرمي ويتبادلون الاحاديث والقصائد الشعرية ووالغنائية ، والحنضل الحضرمي أبرز المكسرات الموجودة في هذه الجلسات ، أولا لسعره الزهيد ، ثانيا لتميز الحضارم في تحميصه ،وإضافة بعض الكركم والليمون والملح إليه التحميص، لذلك نجد أن الحنضل والمكسرات الحضرمية ذات جودة عالية التي لا تجدها بنفس المستوى في أسواق أخرى.

كذلك يتميز السوق بموقعه المميز القريب من قصر الكثيري جعله جزءًا من المشهد السياحي العام للمدينة.
كما أن إعادة التأهيل الناجحة حولته من سوق عشوائي إلى معلم سياحي وثقافي بارز.
أسواق عربية مشابهة لسوق الحنظل بسيئون
سوق الحنضل يقف في مصاف الأسواق التاريخية العربية التي تجمع بين التجارة والتراث، ويشبه إلى حد بعيد سوق الملح في صنعاء أقدم الأسواق اليمنية، ومركز التجارة الشعبية في اليمن، ويشبه سوق الحنضل في كونه جزءًا من الهوية المحلية.

كذلك سوق واقف في الدوحة وجهة سياحية وثقافية أعيد تأهيلها لتصبح معلمًا عالميًا، يشبه سوق الحنضل في الجمع بين التراث والحداثة.
أيضا خان الخليلي في القاهرة: سوق تاريخي يجمع بين التجارة والفن الإسلامي، ويُعد من أبرز الوجهات السياحية في مصر.
وسوق الحميدية في دمشق: أحد أشهر الأسواق العربية، التي تجمع بين الأصالة والعمارة الفريدة، ويشبه سوق الحنضل في كونه جزءًا من المشهد السياحي العام للمدينة.
لهذا سوق الحنضل اليوم ليس مجرد سوق فقط لبيع بعض المنتجات، بل جزء مهم من المعالم التاريخية والسياحية في سيئون. الزائر الذي يأتي ليستكشف قصر السلطان الكثيري، يجد نفسه مدفوعًا إلى المرور بالسوق، حيث يلتقي بالتراث الحي، ويتذوق نكهات حضرموت الأصيلة، ويقتني منتجات تحمل هوية حضرمية فريدة.
السوق أيضًا يمثل نموذجًا لكيفية تحويل الأسواق الشعبية إلى معالم سياحية وثقافية، تحفظ الهوية وتنعش الاقتصاد المحلي في آن واحد.
اقرأ أيضا:سوق الملح بصنعاء القديمة .. قلب المدينة النابض بالحياة




