تحليلات اقتصادية

الهجرة من القرن الإفريقي… نزيف اقتصادي يعيد تشكيل السوق اليمنية ويهدد السيادة الوطنية

الهجرة من القرن الإفريقي… نزيف اقتصادي يعيد تشكيل السوق اليمنية ويهدد السيادة الوطنية

الأحد 7 ديسمبر 2025-

 الهجرة غير النظامية من القرن الإفريقي إلى اليمن لم تعد مجرد أزمة إنسانية عابرة، بل تحولت إلى معضلة اقتصادية بنيوية تضغط على سوق العمل والخدمات وتعيد تشكيل دورة السيولة داخل البلاد. التدفقات عبر باب المندب والسواحل الجنوبية والغربية، رغم تراجع العدد الإجمالي في السنوات الأخيرة، باتت أكثر تنظيمًا وتمركزًا جغرافيًا، ما جعل آثارها الاقتصادية أكثر وضوحًا وعمقًا.

في سوق العمل، المنافسة على الوظائف منخفضة المهارة أدت إلى ضغط نزولي على الأجور وإحلال جزئي للعمالة المحلية، مع ارتفاع البطالة الموسمية وتراجع جودة الإنتاجية نتيجة غياب التنظيم. في الأسعار، ارتفعت تكاليف الغذاء والإيجارات والمياه في مناطق التركز بنسبة تتراوح بين 4 و10% خلال ذروات الوصول، ما زاد من أعباء المعيشة على الفئات الهشة.

أما المالية العامة، فقد تآكلت الإيرادات الضريبية مع توسع الاقتصاد غير الرسمي، وتحولت ميزانيات البلديات من الاستثمار إلى خدمات طارئة، فيما بلغت كلفة الخدمة الطارئة لكل وافد بين 25 و55 دولارًا شهريًا عند غياب دعم دولي. السيولة النقدية بدورها تتعرض لنزيف مستمر عبر قنوات حوالات غير رسمية، حيث تخرج مئات الملايين من الدولارات سنويًا إلى الخارج، محرومة السوق اليمنية من دورة نقدية كانت قادرة على دعم التجارة الصغيرة والخدمات.

المستفيدون المباشرون من هذه الظاهرة هم شبكات التهريب متعددة المستويات، وسطاء الحوالات غير الرسمية، وأرباب العمل في القطاعات منخفضة الأجور، بينما الخاسرون هم البلديات الساحلية، العمالة اليمنية منخفضة المهارة، المصارف المحلية، وقطاع الصيد والتجارة الصغيرة.

السيناريوهات المحتملة للعامين المقبلين تتراوح بين ضبط جزئي يحقق تحسنًا طفيفًا في التحصيل وتراجع التضخم الموضعي، واستمرار الوضع الراهن الذي يوسع فجوة الدخل ويعمق التضخم، وصولًا إلى تدهور أمني ساحلي يهدد الصيد والتجارة ويخفض دخل الصيادين بنسبة تصل إلى 20%. الحلول الفعالة تكمن في تنظيم العمل المؤقت وربط الأجر الأدنى محليًا، فرض رسوم رمزية على الخدمات لتخفيف الضغط على البلديات، إنشاء قنوات تحويل شبه رسمية لإدخال جزء من السيولة إلى النظام المصرفي، وضرب انتقائي لحلقات التهريب الأكثر ربحية، إلى جانب صناديق مشتركة لخدمات الساحل بتمويل دولي. جوهر الأزمة ليس في عدد الوافدين بل في هندسة التدفقات التي تصنع اقتصادًا موازيًا يسحب السيولة ويضغط على الخدمات والأجور، ومعالجة هذه الهندسة عبر سياسات ذكية هو السبيل لتقليل الكلفة البنيوية وإعادة جزء من الدورة النقدية إلى الداخل.

اقرأ أيضا: الأزمة الاقتصادية في اليمن تُرغم لاجئي الصومال العودة من عدن لمقديشو

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى