بكين تحاول توسّيع نفوذ اليوان لتحجيم نفوذ الدولار
الخميس 23 أكتوبر 2025-
في خطوة تعكس تحولًا استراتيجيًا في السياسة النقدية الصينية، بدأت بكين في استخدام مكانتها كأكبر دائن عالمي لتعزيز حضور عملتها الوطنية “اليوان” على الساحة الدولية، عبر إتاحة خيار تحويل القروض الدولارية إلى قروض مقومة باليوان للدول المدينة، مستفيدة من انخفاض أسعار الفائدة المحلية مقارنة بالدولار.
وتعد إثيوبيا أحدث المنضمين إلى هذا التوجه، إذ تسعى لتحويل جزء من ديونها البالغة 5.38 مليارات دولار إلى اليوان، في حين خفضت كينيا تكاليف خدمة ديونها السنوية بنحو 215 مليون دولار بعد تحويل قروض السكك الحديدية الصينية من الدولار إلى العملة الصينية.
ورغم أن هذه الاستراتيجية تفرض على الصين تحمل خسائر نسبية نتيجة الفارق الكبير في أسعار الفائدة، إلا أن المكاسب الجيوسياسية والاقتصادية تبدو أكثر أهمية. فبحسب مايكل بيتيس، الزميل في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، فإن “الفائدة التي تعود على الصين مقابل انخفاض الإيرادات هي أن الرنمينبي يصبح عملة أكثر استخدامًا على المستوى الدولي”.
تعزيز استخدام اليوان في التجارة والتمويل
مصادر مطلعة أفادت لبلومبيرغ بأن الصين تدعم رسميًا تحويل القروض الدولارية المخصصة لشراء السلع والخدمات الصينية إلى اليوان، ما يسهل على الدول المدينة تسوية المدفوعات بالعملة الصينية، ويعزز دورها في التجارة الدولية. ويُتوقع أن يمتد هذا النهج إلى قروض جديدة خارج القارة الأفريقية.
وتشير البيانات إلى أن الحكومات والبنوك الدولية أصدرت حتى أكتوبر/تشرين الأول من هذا العام سندات وقروضًا مقومة باليوان بقيمة 68 مليار يوان (نحو 9.5 مليارات دولار)، وهو ضعف إجمالي الإصدارات خلال عام 2024.
وفي هذا السياق، أعلنت سريلانكا عن قرض باليوان بقيمة 500 مليون دولار لمشروع طريق سريع، بينما تخطط إندونيسيا لأول عملية بيع خارجية لسندات اليوان، في حين تراقب زامبيا تجربة كينيا “باهتمام بالغ”، وفقًا لتصريحات وزير ماليتها.
تقويض هيمنة الدولار
تأتي هذه التحركات في ظل تراجع الدولار بنسبة 7.5% مقابل سلة من العملات العالمية هذا العام، نتيجة سياسات جمركية متقلبة وتضخم الدين الأميركي. ويُنظر إلى هذه المقايضة النقدية كوسيلة لتقويض الهيمنة المالية الأميركية، خاصة بعد استخدام واشنطن الدولار كسلاح اقتصادي ضد روسيا.
وفي ظل اعتماد الاقتصاد الصيني الكبير على الدولار، تسعى بكين إلى تقليص هذا الاعتماد، وهو ما يُعد نقطة ضعف هيكلية في مواجهة التوترات الجيوسياسية المتصاعدة.
مبادلات العملات ودعم احتياطي الذهب
ضمن جهودها لتعزيز مكانة اليوان، أبرمت الصين اتفاقيات مبادلة عملات مع نحو 30 دولة، لتسهيل استخدام العملة في التجارة الثنائية والاستثمار. كما كثّفت من شراء الذهب في السنوات الأخيرة، في مؤشر على سعيها “الثابت والتدريجي نحو التخلي عن الدولرة”، وفقًا لجابرييل ويلداو، المدير الإداري في شركة تينيو.
ويتمثل الهدف المباشر لبكين في بناء نظام نقدي متعدد الأقطاب يوفر بدائل موثوقة للدول النامية، بينما تطمح على المدى البعيد إلى تحويل اليوان إلى عملة احتياطية عالمية تعكس مكانتها كقوة اقتصادية وتكنولوجية صاعدة.
هذا وتعود الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة إلى العام 2018 خلال إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وتعود أسبابها إلى مجموعة من الخلافات الاقتصادية والاستراتيجية، أبرزها، العجز التجاري الأميركي، حيث كانت الولايات المتحدة تعاني من عجز تجاري كبير مع الصين، فتستورد منها أكثر مما تصدر إليها، ما دفع واشنطن إلى المطالبة بإعادة التوازن.
كذلك اتهمت الولايات المتحدة الصين بانتهاج سياسات تجارية غير عادلة، مثل دعم الشركات الحكومية، وفرض شروط على نقل التكنولوجيا من الشركات الأجنبية إلى الصينية، إضافة إلى انتهاكات في حقوق الملكية الفكرية.
لذا فرضت إدارة ترامب رسومًا جمركية على سلع صينية بقيمة 50 مليار دولار بموجب المادة 301 من قانون التجارة الأميركي، بهدف الضغط على بكين لتغيير سياساتها التجارية.
فردت الصين بفرض رسوم جمركية على أكثر من 128 منتجًا أميركيًا، أبرزها فول الصويا، في خطوة انتقامية اعتبرتها واشنطن تصعيدًا.
هذا وترى واشنطن أن النمو السريع للصين يهدد مكانتها الاقتصادية والسياسية، ما دفعها إلى استخدام أدوات اقتصادية لكبح هذا الصعود.
اقرأ أيضا: الذهب يعود للواجهة كملاذ آمن وسط اضطرابات الأسواق
